الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
بنو حصن هؤلاء من بطون علاق وحصن أخو يحيى بن علاق كما مر فهم بطنان أيضاً: بنو علي وحكيم. وقد يقال إن حكيماً ليس لحصن وإنما ربي في حجره فانتمى إليه. وأما حكيم فلهم بطون منهم: بنو ظريف بن حكيم وهم أولاد جابر والشراعبة ونعير وجوين لمقدام بن ظريف وزياد بن ظريف. ومنهم: بنو وائل بن حكيم ومنهم بنو طرود بن حكيم. وقد يقال إن طرودا ليس لسليم وأنهم من منبس إحدى بطون هلال بن عامر ويقال إن منهم زيد العجاج بن فاضل المذكور في رجالات هلال والصحيح في طرود أنهم من بني فهم بن عمر بن قيس بن عيلان بن عدوان وفي تعدادهم وكانت طرود أحلاف الدلاج ثم قاطعوهم وحالفوا آل ملاعب. ومن بطون حكيم آل حسين ونوال ومقعد والجميعات ولا أدري كيف يتصل نسبهم. ومنهم بنو نمير بن حكيم. ولنمير بطنان: ملاعب وأحمد فمن أحمد بنو محمد والبطين. ومن ملاعب بنو هيكل بن ملاعب. وهم أولاد زمام والفريات وأولاد مياس وأولاد فائد. ومن أولاد فائد الصرح والمدافعة. وأولاد يعقوب بن عبد الله بن كثير بن حرقوص بن فائد وإليهم رئاسة حكيم وسائر بطونهم ومواطن حكيم هؤلاء لهذا العدد ما بين سوسة والأجم. والناجعة منهم أحلاف لبني كعب تارة لأولاد الليل وتارة لأقتالهم أولاد مهلهل ورئاستهم في بني يعقوب بن عبد السلام بن يعقوب شيخاً عليهم وانتقض أيام اللحياني. ووفد على السلطان أبي يحيى بالثغر العربي من إفريقية في بجاية وقسطنطينة وجاء في جملته فلما ملك ملك تونس عقد له على قومه ورفعه على أنظاره. وغص به بنو كعب فحرض عليه حمزة من الأعشاش محمد بن حامد بن يزيد فقتله في موقف شوراهم وولي الرئاسة فيهم من بعده ابن عمه محمد بن مسكين بن عامر بن يعقوب بن القوس وانتهت إليه رئاستهم. وكان يرادفه أو ينازعه جماعة من بني عمه. فمنهم سحيم بن سليمان بن يعقوب وحضر واقعة طريف مع السلطان أبي الحسن وكان له فيها ذكر. ومنهم أبو الهول وأبو القاسم ابنا يعقوب بن عبد السلام وكان لأبي الهول مناصحة للسلطان أبي الحسن حين أحلف عليه بنو سليم بالقيروان وأدخله مع أولاد مهلهل في الخروج على القيروان فخرج معهم جميعاً إلى سوسة. ومنهم بنو يزيد بن عمر بن يعقوب وابنه خليفة. ولم يزل محمد بن مسكين على رئاسته أيام السلطان أبي يحيى كلها وكان مخالطاً له ومتهالكاً في نصيحته والانحياش إليه. ولما هلك خلفه في رئاسته ابن أخيه خليفة بن عبد الله بن مسكين وهو أحد الأشياخ الذين تقبض عليهم السلطان أبو الحسن بتونس بين يدي واقعة القيروان. ثم أطلقه وهو محصور بالقيروان فكان له به اختصاص من بعد ذلك. ولما تغلب العرب على النواحي بعد واقعة القيروان تغلب بنو مسكين هؤلاء على سوسة فأقطعها السلطان خليفة هذا وبقيت في ملكته. وهلك خليفة فقام برئاستهم في حكيم ابن عمه عامر بن محمد بن مسكين. ثم قتله محمد بن بثينة بن حامد من بني كعب قتله يعقوب بن عبد السلام ثم قتله محمد هذا غدراً بجهاد الجريد سنة خمس وخمسين وسبعمائة. ثم افترق أمرهم واستقرت رئاستهم لهذا العهد بين أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسكين وتلقب أبا معنونة وهو ابن أخي خليفة المذكور. وعبد الله بن محمد بن يعقوب وهو ابن أخي أبي الهول المذكور. ولما تغلب السلطان أبو العباس على تونس وملكها انتزع سوس من أيديهم فامتعض أحمد لذلك وصار إلى ولاية صولة بن خالد بن حمزة من أولاد أبي الليل وسلكوا سبيل لخلاف والفتنة وأبعدوا في شأوها وهم لهذا العهد مشردون عن الضواحي والأرياف منزاحون إلى القفر. وأما عبد الله بن محمد ويلقب الراوي فتحيز إلى السلطان وأكد حلفه مع أولاد على ولايته ومظاهرته فعظمت رئاسته في قومه وهو على ذلك لهذا العهد. ثم راجع أبو معنونة خدمة السلطان وانقسمت رئاسة حكيم بينهما وهم على ذلك لهذا العهد. وأما بنو علي إخوة حكيم فلهم بطون أولاد صورة ويجمعهما معاً عوف بن محمد بن علي بن حصن. ثم أولاد نمي والبدرانة وأولاد أم أحمد والحضرة أو الرجلان وهو مقعد والجميعات والحمر والمسابهة آل حسين وحجري وقد يقال إن حجري ليسوا لسليم وأنهم من بطون كندة صاروا معهم بالحلف فانتسبوا بنسبهم ورئاسة بني علي في أولاد صورة. وشيخهم لهذا العهد أبو الليل بن أحمد بن سالم بن عقبة بن شبل بن صورة بن مرعي بن حسن بن عوف. ويرادفهم المراعية من أهل نسبهم أولاد مرعي بن حسن بن عوف ومواطنهم ما بين الأجم والمباركة من نواحي قابس وناجعتهم أحلاف الكعوب إما لأولاد أبي الليل أو لأولاد مهلهل وغالب أخوالهم أولاد مهلهل والله مقدر الأمور لا رب سواه. ذباب بن سليم قد ذكرنا الخلاف في نسبهم من أنهم من ذباب بن ربيعة بن زغب الأكبر وأن ربيعة أخو زغب الأصغر. وضبط هذه اللفظة لهذا العهد بضم الزاي وقد ضبطها الأجدابي والرشاطي بكسر الزاي. كذا نقل أبو محمد التجاني في رحلته ومواطنهم ما بين قابس وطرابلس إلى برقة ولهم بطون فمنهم: أولاد أحمد بن ذباب ومواطنهم غربي قابس وطرابلس إلى برقة. عيون رجال مجاورون لحصن ومن عيون رجال بلاد زغب من بطون ذباب بنو يزيد مشاركون لأولاد أحمد في هذه المواطن وليس هذا أباً لهم ولا اسم رجل وإنما هو اسم حلفهم انتسبوا به إلى مدلول الزيادة. كذا قال التجاني وهم بطون أربعة: الصهب بسكون الهاء بنو صهب بن جابر بن فائد بن رافع بن ذباب وإخوتهم الحمادية بنو حمدان بن جابر والخرجة بسكون الراء بطن من آل سليمان منهم. أخرجهم آل سليمان من مواطنهم بمسلاتة فحالفوا هؤلاء ونزلوا معهم. والأصابعة ومنهم النوائل بنو نائل بن عامر بن جابر وإخوتهم أولاد سنان بن عامر وإخوتهم أولاد وشاح بن عامر وفيهم رئاسة هذا القبيل من ذباب كلهم. وهم بطنان عظيمان: المحاميد بنو محمود بن طوق بن بقية بن وشاح ومواطنهم ما بين قابس ونفوسة وما إلى ذلك من الضواحى والجبال. ورئاستهم لهذا العهد في بني رحاب بن محمود لأولاد سباع بن يعقوب بن عطية بن رحاب. والبطن الآخر الجواري بنو حميد بن جارية بن وشاح ومواطنهم طرابلس وما إليها مثل تاجورا وهزاعة وزنزور وما إلى ذلك. ورئاستهم لهذا العهد في بني مرغم بن صابر بن عسكر بن علي بن مرغم. ومن أولاد وشاح بطنان آخران صغيران مندرجان مع الجواري والمحامد وهما الجواربة بنو جراب بن وشاح والعمور بنو عمر بن وشاح. هكذا زعم التجاني في العمور هؤلاء. وفي هلال بن عامر بطن العمور كما ذكرناه. وهم يزعمون أن عمور ذباب هؤلاء منهم وأنهم إنما جمعهم مع ذباب الموطن خاصة وليسوا من سليم والله أعلم بحقيقة ذلك. وكان من أولاد وشاح بنو حريز بن تميم بن عمر بن وشاح كان منهم فائد بن حريز من فرسان العرب المشاهير وله شعر متداول بينهم لهذا العهد سمر الحي وفكاهة المجالس ويقال إنه من المحاميد.
وكان بنو ذباب هؤلاء شيعة لقراقش الغزي وابن غانية ولهما قيه أثر. وقتل قراقش مشيخة الجواري في بعض أيامه. ثم صاروا بعد مهلك ابن غانية إلى خدمة الأمير أبي زكريا وأهل بيته من بعده وهم الذين أقاموا أمر الداعي بن أبي عمارة وعليهم كان تلبسه لأن يصير أميراً بدل المخلوع وكان فر إليهم بعد مهلك مولاه وبنيه ونزل عليهم. حتى إذا مر بهم ابن أبي عمارة فعرفه الخبر فاتفقوا على التلبيس وزينوا ذلك لهؤلاء العرب فقبلوه. وتولى كبر ذلك مرغم بن صابر وتبعه قومه وداخلهم في الأمر أبو مروان عبد الملك بن مكي رئيس قابس فكان ما قدر الله ما كان من تمام أمره وتلويث كرسي الخلافة بدمه حسبما يذكر في أخبار الدولة الحفصية. وكان السلطان أبو حفص يعتمد عليهم فغلبهم في دعوة عمارة فخالفوا عليه وسرح لحربهم قائده أبا عبد الله الفزاري واستصرخوا بالأمير أبي زكريا ابن أخيه وهو يومئذ صاحب بجاية والثغر الغربي من إفريقية ووفد عليه منهم عبد الملك بن رحاب بن محمود فنهض لصريخه بسنة سبع وثمانين وستمائة. وحاربوا أهل قابس وهزموهم وأثخنوا فيهم. ثم غلبهم الفزاري ومانعهم عن وطن إفريقية. ورجع الأمير أبو زكريا إلى ثغره. وكان مرغم بن صابر بن عسكر شيخ الجواري قد أسره أهل صقلية من سواحل طرابلس سنة اثنتين وثمانين وباعوه لأهل برشلونة فاشتراه ملكهم وبقي أسيراً عنده إلى أن نزع إليه عثمان بن إدريس الملقب بأبي دبوس بقية الخلفاء من بني عبد المؤمن. وأراد الإجازة إلى إفريقية لطلب حقه في الدعوة الموحدية فعقد ملك برشلونة بينه وبين مرغم حلفاً وبعثهما ونزل بساحل طرابلس. وأقام مرغم الدعوة لابن دبوس وحمل عليها قومه. وحاصرطرابلس سنة ثمان وثمانين أياماً. ثم تركوا عسكراً لحصارها وارتحلوا لجباية الوطن فاستفرغوه وكان ذلك غاية أمرهم وبقي أبو دبوس يتقلب في أوطانهم مدة. واستدعاه الكعوب لأول المائة الثامنة وأجلبوا به على تونس أيام السلطان أبي عصيمة من الحفصيين وحاصروها أياماً فلم يظفروا. ورجع إلى نواحي طرابلس وقام بها مدة. ثم ارتحل إلى مصر وأقام بها إلى أن هلك كما يأتي ذكره في خبر ابنه مع السلطان أبي الحسن بالقيروان. ولم يزل هذا شأن الجواري والمحاميد إلى أن تقلص ظل الدولة عن أوطان قابس وطرابلس فاستبد برئاسة ضواحيها. واستعبدوا سائر الرعاية المعتمرة في جبالها وبسائطها واستبد أهل الأمصار برئاسة أمصارهم بنو مكي بقابس وبنو ثابت بطرابلس على ما يذكر في أخبارهم. وانقسمت رئاسة أولاد وشاح بانقسام المصرين فتولى الجواري طرابلس وضواحيها وزنرور وغريان ومغر وتولى المحاميد بلد قابس وبلاد نفوسة وحرب. وفي ذباب هؤلاء بطون أخرى ناجعة في القفر ومواطنهم منزاحة إلى جانب الشرق عن مواطن هؤلاء الوشاحين. فمنهم آل سليمان بن هبيب بن رابع بن ذباب ومواطنهم قبلة مغر وغريان ورئاستهم في ولد نصر بن زائد بن سليمان وهي لهذا العهد لهائل بن حماد بن نصر وبنيه والبطن الآخر آل سالم بن هيب أخي سليمان. ومواطنهم بلد مسراتة إلى لبدة ومسلاتة. وشعوب آل سالم هؤلاء الأحامد والعمائم والعلاونة وأولاد مرزوق ورئاستهم في ولد مرزوق وهو ابن معلى بن معراني بن قلينة بن قاص بن سالم وكانت في أول هذه المائة الثامنة لغلبون بن مرزوق واستقرت في بنيه وهي اليوم لحميد بن إسنان بن عثمان بن غلبون. والعلاونة منهم مجاورون للعزة من عرب برقة والمشابنة من هوارة المقيمين. ويجاور ذباب هؤلاء في مواطنهم من جهة القبلة ناصرة وهم من بطون ناصرة بن خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم فإن كان زغب أبو ذباب لملك بن خفاف كما زعم التجاني فهم إخوة ناصرة ويبعد أن يسمى قوم باسم إخوانهم. وإن كانوا لناصرة كما زعم ابن الكلبي وهو أقرب فيكون هؤلاء اختصوا باسم ناصرة دون ذباب وغيرهم من بنيه وهذا كثير من بطون القبائل والله أعلم. ومواطنهم بلاد فزان وودان. هذه أخبار ذباب هؤلاء. وأما العزة جيرانهم في الشرق الذين قدمنا ذكرهم فهم موطنون من أرض برقة خلاء لاستيلاء الخراب على أمصارها وقراها من دولة صنهاجة. تمرست بعمرانها بادية العرب وناجعتهم فتحيفرها عارة ونهباً إلى أن فسدت فيها مذاهب المعاش وانتقض العمران فخربت. وصار معاش الأكثر من هؤلاء العرب الموطنين بها لهذا العهد من الفلح يثيروت له الأرض بالعوامل من الجمال والحمير وبالنساء إذا ضاق كسبهم عن العوامل وارتكبوا ضرورة المعاش. وينجعون إلى بلاد النخل في جهة القبلة منهم من أوجلة وشنترية والواحات وما وراء ذلك من الرمال والقفر إلى بلد السودان المجاورين لهم وتسمى بلادهم برنيق وشيخ هؤلاء العرب ببرقة يعرف لهذا العهد بأبي ذئب من بني جعفر. وركاب الحج من المغرب يحمدون مسالمتهم في ممرهم وحسن نيتهم في التجافي عن حاج بيت الله وإرفادهم بجلب الأقوات لسربهم وحسن الظن بهم. " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ". وأما نسبهم فما أدري فيمن هو من العرب. وحدثني الثقة من ذباب عن خريص ابن شيخهم أبي ذيب أنهم من بقايا الكعوب ببرقة. وتزعم نسابة الهلاليين أنهم لربيعة بن عامر إخوة هلال بن عامر. وقد مر الكلام في ذلك في أول ذكر بني سليم. وتزعم بعض النسابة أنهم والكعوب من العزة وإن العزة من هيث وإن رئاسة العزة لأولاد أحمد وشيخهم أبو ذئب وأن المثانية جيرانهم من هوارة. وذكر لي سلام بن التركية شيخ أولاد مقدم جيرتهم بالعقبة أنهم من بطون مسراتة من بقية هوارة وهو الذي رأيت النسابة المحققين عليه بعد أن دخلت مصر ولقيت كثيراً من المترفدين إليها من أهل برقة. وهذه آخر الطبقة الرابعة من العرب وبانقضائه انقضى الكتاب الثاني في العرب وأجيالهم منذ بدء الخليقة فلنرجع إلى أحوال البربر في الكتاب الثالث والله ولي العون. بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله علي سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً
والامة الثانية من اهل المغرب في أخبار البربر والأمة الثانية من أهل المغرب وذكر أوليتهم وأجيالهم منذ بدء الخليقة لهذا العهد ونقل الخلاف الواقع بين الناس في أنسابهم الفصل الأول اجيال البربر وانسابهم هذا الجيل من الآدميين هم سكان المغرب القديم ملأوا البسائط والجبال من تلوله وأريافه وضواحيه وأمصاره يتخذون البيوت من الحجارة والطين ومن الخوص والشجر ومن الشعر والوبر. ويظعن أهل العز منهم والغلبة لانتجاع المراعي فيما قرب من الرحلة لا يجاوزون فيها الريف إلى الصحراء والقفر الأملس. ومكاسبهم الشاء والبقر والخيل في الغالب للركوب والنتاج. وربما كانت الإبل من مكاسب أهل النجعة منهم شأن العرب ومعاش المستضعفين منهم بالفلح ودواجن السائمة. ومعاش المعتزين أهل الانتجاع والأظعان في نتاج الإبل وظلال الرماح وقطع السابلة. ولباسهم وأكثر أثاثهم من الصوف يشتملون الصماء بالأكسية المعلمة ويفرغون عليها البرانس الكحل ورؤوسهم في الغالب حاسرة وربما يتعاهدونها بالحلق. ولغتهم من الرطانة الأعجمية متميزة بنوعها وهي التي اختصوا من أجلها بهذ! الاسم. يقال إن أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب وإفريقية وقتل الملك جرجيس وبنى المدن والأمصار وباسمه زعموا سميت إفريقية لما رأى هذا الجيل من الأعاجم وسمع رطانتهم ووعى اختلافها وتنوعها تعجب من ذلك وقال: ما أكثر بربرتكم فسموا بالبربر. والبربرة بلسان العرب هي اختلاط الأصوات غير المفهومة. ومنه يقال بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة. وأما شعوب هذا الجيل وبطونهم فإن علماء النسب متفقون على أنهم يجمعهم جذمان عظيمان وهما برنس وماذغيس. ويلقب ماذغيس بالأبتر فلذلك يقال لشعوبه البتر ويقال لشعوب برنس البرانس وهما معاً ابنا برنس. وبين النسابين خلاف هل هما لأب واحد. فذكر ابن حزم عن أيوب بن أبي يزيد صاحب الحمار أنهما لأب واحد على ما حدثه عنه يوسف الوراق. وقال سالم بن سليم المطماطي وهاني بن مسرور والكومي وكهلان عن أبي لوا وهم نسابة البربر: إن البرانس بتر وهم من نسل مازيغ بن كنعان. والتبر بنو بر بن قيس بن عيلان وربما نقل ذلك أن أيوب بن أبي يزيد إلا أن رواية ابن حزم أصح لأنه أوثق. وأما شعوب البرانس فعند النسابين أنهم يجمعهم سبعة أجذام وهي ازداجة ومصمودة وأوربة وعجيسة وكتامة وصنهاجة وأوريغة. وزاد سابق بن سليم وأصحابه: لمطة وهكسورة وكزولة. وقال أبو محمد بن حزم: يقال إن صنهاج ولمط إنما هما ابنا امرأة يقال لها تصكي ولا يعرف لهما أب تزوجها أوريغ فولدت له هوار فلا يعرف لهما أكثر من أنهما أخوان لهوار من أمه. قال وزعم قوم من أوريغ أنه ابن خبوز بن المثنى بن السكاسك من كندة وذلك باطل. وقال الكلبي أن كتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر وإنما هما من شعوب اليمانية تركهما أفريقش بن صيفي بإفريقية مع من نزل بها من الحامية. هذه جماع مذاهب أهل التحقيق في شأنهم فمن ازداجة مسطاطة ومن مصمودة غمارة بنو غمار بن مصطاف بن مليل بن مصمود ومن أوريغة هوارة وملد ومغر وقلدن. فمن هوار بن أوريغ مليلة وبنو كهلان ومن ملس أوريغ سطط وورفل وأسيل ومسراتة. ويقال لجميعهم لهانة بنو لهان بن ملد. ويقال إن مليلة منهم. ومن مغر بن أوريغ ماواس وزمور وكبا ومصراي ومن قلدن بن أوريغ قمصاتة وورسطيف وبيانة وفل مليلة. وأما شعوب البتر وهم بنو مادغيس الأبتر فيجمعهم أربعة أجذام أداسة ونفوسة وضرية وبنو لوا الأكبر وكلهم بنو زحيك بن مادغيس. فأما أداسة بنو أداس بن زحيك فبطونهم كلها في هوارة لأن أم أداس تزوجها بعد زحيك أوريغ ابن عمه برنس والد هوازة فكان أداس أخاً لهوارة ودخل نسب بنيه كلهم في هوارة. وهم سفارة وأندارة وهنزولة وضرية وهداغة وأوطيطة وترهتة. هؤلاء كلهم بنو أداس بن زحيك بن باذغيس وهم اليوم في هوارة. وأما لوا الأكبر فمنه بطنان عظيمان وهما: نفزاوة بنو نفزا وابن لوا الأكبر ولواتة بنو لوا الأصغر بن لوا الأكبر فخلفه أبوه حملاً فسمي به. فمن لواتة أكوزه وعتروزة وبنو فاصلة بن لوا الأصغر ومنهم مزاتة بنو زاير بن لوا الأصغر. ومغانة وجدانة بنو كطوف بن لوا الأصغر ومن لواتة سرداتة بنو نيطط بن لوا الأصغر. ودخل نسب سدراتة في مغراوة. أبو محمد بن حزم: كان مغراوة تزوج أم سدراتة فصار سدراتة أخا بني مغراوة لأمهم واختلط نسبه بهم. ومن نفزاوة أيضاً بطون كثيرة وهم ولهاصة وغساسة وزهلة وسوماتة وورسيف ومرنيزة وزاتيمة ووركول ومرنسية ووردغروس ووردين كلهم بنو يطوفت من نفراوة. وزاد ابن سابق وأصحابه مجر ومكلاتة. وقال: ويقال إن مكلاتة ليس من البربر من حمير وقع إلى يطوفت صغيراً فتبناه وهو مكلا بن ريمان بن كلاع حاتم بن سعد بن حمير. ولولهاصة من نفزاوة بطون كثيرة من بزغاش ودحية بني ولهاص. فمن بزغاش بطون ورفجومة وهم: رجال وطووبورغيش ووانجز وكرطيط وما انجدل وسينتت بنو رفجوم بن بيزغاش بن ولهاص بن يطوفت بن نغزاو. قال ابن سابق وأصحابه: وبنو بيزغاش لواتة كلهم بجبال أوراس. ومن دحية ورترين وتريرو ورتبونت ومكراولقوس بنو دحية بن ولهاص بن تطوفت بن نفزاو. وأما ضرية وهم بنو ضرى بن زحيك بن مادغيس الأبتر فيجمعهم جذمان عظيمان: بنو تمصيت بن ضرى وبنو يحيى بن ضرى. وقال سابق وأصحابه: إن بطون تمصيت كلها من فاتن بن تمصيت وأنهم اختصوا بنسب ضرسية دون بطون يحيى. فمن بطون تمصيت: مطماطة وصطفورة وهم كومية ولماية ومطغرة ومرينة ومغيلة ومكزوزة وكشاتة ودونة ومديونة كلهم بنو فاتن بن تمصيت بن ضرى. ومن بطون يحيى: زناتة كلهم وسمكان وورصطف. فمن ورصطف: مكناسة وأوكنة وورتناج بنو ورصطف بن يحيى. فمن مكناسة ورتيفة وررتدوسن وتفليت ومنصارة وموالات وحرات ورفلابس ومن مكن بولالين وتدين ويصلتن وجرين وفوغال. ومن ورتناج: مكنسة وبطالسة وكرنيطة وسدرجة وهناطة وفولال بنو ورتناج بن ورصطف. ومن سمكان زواغة وزواوة بنو سمكان بن يحيى وابن حزم بعد زواوة التي بالواو في بطون كتامة وهو أظهر ويشهد له الوطن. فالغالب أن زواوة بنو سكمان بن يحيى وعن ابن حزم: بعد زواوة التي بالواو في بطون كتامة والتي تعد في سكان هي التي بالزاي وهي قبيلة معروفة. ومن زواغة بنو ماجر وبنو واطيل وسمكين. وسيأتي الكلام فيهم مستوفى عند ذكرهم إن شاء الله تعالى. هذا آخر الكلام في شعوب هذا الجيل مجملاً ولا بد من تفصيل فيه عند تفصيل أخبارهم. وأما إلى من يرجع نسبهم من الأمم الماضية فقد اختلف النسابون في ذلك اختلافاً كثيراً وبحثوا فيه طويلاً. فقال لعضهم: إنهم من ولد إبراهيم عليه السلام من نقشان ابنه وقد تقدم ذكره عند ذكر إبراهيم عليه السلام. وقال آخرون: البربر يمنيون وقالوا أوزاع من اليمن. وقال المسعودي من غسان وغيرهم تفرقوا عندما كان من سيل العرم. وقيل: خلفهم أبرهة ذو المنار بالمغرب وقيل من لخم وجذام كانت منازلهم بفلسطين وأخرجهم منها بعض ملوك فارس. فلما وصلوا إلى مصر منعتهم ملوك مصر النزول فعبروا النيل وانتشروا في البلاد. وقال أبو عمر بن عبد البر: ادعت طوائف من البربر أنهم من ولد النعمان بن حميد بن سبأ. قال: ورأيت في كتاب الأسفنداد الحكيم: إن النعمان بن حمير بن سبأ كان ملك زمانه في الفترة وأنه استدعى أبناءه وقال لهم. أريد أن أبعث منكم للمغرب من يعمره فراجعوه في ذلك وعزم عليهم وأنه بعث منهم لمت أبا لمتونة ومسفو أبا مسوفة ومرطا أبا هسكورة وأصناك أبا صنهاجة ولمط أبا لمطة وإيلان أبا هيلانة فنزل بعضهم بجبل دون وبعضهم بالسوس وبعضهم بدرعة. ونزل لمط عند كزول وتزوج ابنته ونزل أجانا وهو أبو زناتة بوادي شلف ونزل بنو ورتجين ومغراو بأطراف إفريقية من جهة المغرب ونزل مصمود بمقربة من طنجة والحكاية طويلة أنكرها أبو عمر بن عبد البر وأبو محمد بن حزم. وقال آخرون: إنهم كلهم من قوم جالوت. وقال علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة في كتاب الأنساب له: لا أعلم قولاً يؤدي إلى الصحة إلا قول من قال إنهم من ولد جالوت. ولم ينسب جالوت ممن هو وعند ابن قتيبة أنه ونور بن هربيل بن حديلان بن جالود بن رديلان بن حطى زياد بن زجيك بن مادغيس الأبتر. ونقل عنه أيضاً أنه جالوت بن هربال بن جالود بن دنيال بن قحطان بن فارس. قال: وفارس مشهور وسفك أبو البربر كلهم. قالوا: والبربر قبائل كثيرة وشعوب - وهي هوارة وزناتة وضريسة ومغيلة وورفجومة ونفزة وكتامة ولواثة وغمارة ومصمودة وصدينة ويزدران وورنجين وصنهاجة ومجكسة وواركلان وغيرهم. وذكر آخرون منهم الطبري وغيره: أن البربر أخلاط من كنعان والعماليق فلما قتل جالوت تفرقوا في البلاد وغزا أفريقش المغرب ونقلهم من سواحل الشام وأسكنهم إفريقية وسماهم بربر وقيل البربر من ولد حام بن نوح بن بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بن حام. وقال الصولي هم من ولد بربر بن كسلوجيم بن مصرائيم بن حام. وقيل إن العمالقة من بربر بن تملا مارب بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاود بن إرم بن سام وعلى هذا القول فهم عمالقة. وقال مالك بن المرحل. البربر قبائل شتى من حمير ومضر والقبط والعمالقة وكنعان وقريش تلاقوا بالشام ولغطوا فسماهم أفريقش البربر لكثرة كلامهم. وشب خروجهم عند المسعودي والطبري والسهيلي: أن أفريقش استجاشهم لفتح إفريقية وسماهم البربر وينشدون من شعره: بربرت كنعان لما سقتها من أراضي الضنك للعيش الخصيب وقال ابن الكلبي: اختلف الناس فيمن أخرج البربر من الشام فقيل داود بالوحي قيل يا داود أخرج البربر من الشام فإنهم جذام الأرض. وقيل يوشع بن نون وقيل أفريقش وقيل بعض الملوك التبابعة. وعند البكري أن بني إسرائيل أخرجوهم عند قتل جالوت وللمسعودي والبكري أنهم فروا بعد موت جالوت إلى المغرب وأرادوا مصر فأجلت القبط فسكنوا برقة وإفريقية والمغرب على حرب مع الإفرنج والأفارقة وأجازوهم على صقلية وسردانية وميورقة والأندلس. ثم اصطلحوا على أن المدن للافرنجة وسكنوا القفار عصوراً في الخيام وانتجاع الأمصار من الإسكندرية إلى البحر وإلى طنجة والسوس حتى جاء الإسلام وكان منهم من تهود ومن تنصر وآخرون مجوساً يعبدون الشمس والقمر والأصنام ولهم ملوك ورؤساء. وكان بينهم وبين المسلمين حروب مذكورة. وقال الصولي البكري إن الشيطان نزغ بين بني حام وبني سام فانجلى بنو حام إلى المغرب ونسلوا به. وقال أيضاً إن حام لما اسود بدعوة أبيه فر إلى المغرب حياء واتبعه بنوه وهلك عن أربعمائة سنة. وكان من ولده بربر بن كسلاجيم فنسل بنوه بالمغرب. قال وانضاف إلى البربر حيان من المغرب يمنيان عند خروجهم من مارب كتامة وصنهاجة قال وهوارة ولمطة ولواتة بنو حمير بن سبأ. وقال هانىء بن بكور الضريسي وسابق بن سليمان المطماطي وكهلان بن أبي لؤي وأيوب بن أبي يزيد وغيرهم من نسابة البربر أن البربر فرقتان كما قدمناه وهما: البرانس والبتر فالبتر من ولد بر بن قيس بن عيلان والبرانس بنو برنس بن سفجو بن أبزج بن جناح بن واليل بن شراط بن تام بن دويم بن دام بن مازيغ بن كنعان بن حام وهذا هو الذي يعتمده نسابة البربر. قال الطبري: خرج بربر بن قيس ينشد ضالة بأحياء البربر فهوي جارية وتزوجها فولدت. وعند غيره من نسابة البزبر أنه خرج فاراً من أخيه عمرو بن قيس وفي ذلك تقول تماضر وهي أخته: لتبكي كل باكية أخاها كما أبكي على بر بن قيس تحمل عن عشيرته فأضحى ودون لقائه أنضاء عيس ومما ينسب إلى تماضر أيضاً: وشطت ببر داره عن بلادنا وطوح بر نفسه حيث يمما وازرت ببر لكنة أعجمية وما كان بر في الحجاز بأعجما كأنا وبرا لم نقف بجيادنا بنجد ولم نقسم نهابا ومغنما وأنشد علماء البربر لعبيدة بن قيس العقيلي: ألا أيها الساعي لفرقة بيننا توقف هداك الله سبل الأطائب فاقسم إنا والبرابر إخوة نمانا وهم جد كريم المناصب أبونا أبوهم قيس عيلان في الذرى وفي حرمة يسقي غليل المحارب فنحن وهم ركن منيع وإخوة على رغم أعداء لئام المغاقب وبر بن قيس عصبة مضرية وفي الفرع من أحسابها والذوائب وقيس قوام الدين في كل بلدة وخير معد عند حفظ المناسب وقيس لها المجد الذي يقتدى به وقيس لها سيف حديد المضارب وينشد أيضاً أبيات ليزيد بن خالد يمدح البربر: أيها السائل عنا أصلنا قيس عيلان بنو العز الأول نحن مانحن بنو بر القوى عرف المجد وفي المجد دخل وابتنى المجد فأورى زنده وكفانا كل خطب ذي جلل إن قيساً يعتزي بر لها ولبر يعتزي قيس الأجل ولنا الفخر بقيس إنه جدنا الأكبر فكاك الكبل إن قيساً قيس عيلان هم معدن الحق على الخير دلل حسبك البربر قومي إنهم ملكوا لأرض بأطراف الأسل وببيض تضرب الهام بها هام من كان عن الحق نكل حيدة بن عمرو بن معد بن عدنان فولد عيلان بن مضر قيساً ودهمان أما دهمان فولده قليل وهم أهل بيت من قيس يقال لهم بنو أمامة. وكانت لهم بنت تسمى البهاء بنت دهمان وأما قيس بن عيلان فولد له أربعة بنين وهم سعد وعمر وأمهما مزنة بنت أسد بن ربيعة بن نزار وبر وتماضر وأمهما تمريغ بنت مجدل ومجدل بن غمار مصمود وكانت قبائل البربر يومئذ يسكنون الشام ويجاورون العرب في المساكن ويشاركونهم في المياه والمراعي والمسارح ويصهرون إليهم فتزوج بر بن قيس بنت عمه وهي البهاء بنت دهمان وحسده إخوته في ذلك. وكانت أمه تمريغ من دهاة النساء فخشيت منهم عليه وبعثت بذلك إلى أخوالها سراً ورحلت معهم بولدها وزوجته إلى أرض البربر. وهم إذ ذاك ساكنون بفلسطين وأكناف الشام فولدت البهاء لبر بن قيس ولدين: علوان ومادغيس. فمات علوان صغيراً وبقي مادغيس فكان يلقب الأبتر وهو أبو البتر من البربر ومن ولده جميع زناتة. قمالوا: وتزوج مادغيس بن بر وهو الأبتر بأملل بنت واطاس بن محمد بن مجدل بن عمار فولدت له زحيك بن مادغيس. وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد في الأنساب اختلف الناس في أنساب البربر اختلافاً كثيراً. وأنسب ما قيل فيهم أنهم من ولد قبط بن حام لما نزل مصر خرج ابنه يريد المغرب فسكنوا عند آخر عمالة مصر وذلك ما وراء برقة إلى البحر الأخضر مع بحر الأندلس إلى منقطع الرمل متصلين بالسودان. فمنهم لواتة آهلين بأرض طرابلس ونزل قوم بقربها وهم نفزة. ثم امتدت بهم الطرق إلى القيروان وما وراءها إلى تاهرت إلى طنجة وسجلماسة إلى السوس الأقصى وهم طوائف صنهاجة وكتامة وزكالة من وركلاوة وفطواكة من هسكورة ومزطاوة وذكر بعض أهل الآثار أن الشيطان نزغ بين بني حام وبني سام فوقعت بينهم مناوشات كانت الدبرة فيها لسام وبنيه وخرج سام إلى المغرب وقدم مصر وتفرق بنوه ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى بلغ السوس الأقصى وخرج بنوه في أثره يطلبونه فكل طائفة من ولده بلغت موضعاً وانقطع عنهم خبره فأقاموا بذلك الموضع وتناسلوا فيه ووصلت إليهم طائفة فأقاموا معهم وتناسلوا هنالك. وكان عمر حام أربعمائة وثلاثاً وأربعين سنة فيما ذكره البكري وقال آخرون: كان عمره خمسمائة وإحدى وثلاثين سنة وقال السهيلي فيمن هو يعرب بن قحطان. قال: وهو الذي أجلى بني حام إلى المغرب بعد أن كانوا الجزى من ولد قوط بن يافث هذا آخر الخلاف في أنساب البربر. واعلم أن هذه المذاهب كلها مرجوحة وبعيدة من الصواب فأما القول بأنهم من ولد إبراهيم فبعيد لأن داود الذي قتل جالوت وكان البربر معاصرين له ليس بينه وبين إسحق بن إبراهيم أخي نقشان الذي زعموا أنه أبو البربر إلا نحو عشرة آباء ذكرناهم أول الكتاب. ويبعد أن يتشعب النسل فيهم مثل هذا التشعب. وأما القول بأنهم من ولد جالوت أو العماليق وأنهم نقلوا من ديار الشام وانتقلوا فقول ساقط يكاد يكون من أحاديث خرافة إذ متل هذه الأمة المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانب الأرض لا تكون منتقلة من جانب آخر وقطر محصور والبربر معروفون في بلادهم وأقاليمهم متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام فما الذي يحوجنا إلى التعلق بهذه الترهات في شأن أوليتهم. ويحتاج إلى مثله في كل جيل وأمة من العجم والعرب. وأفريقش الذي يزعمون أنه نقلهم قد ذكروا أنه وجدهم بها وأنه تعجب من ش كثرتهم وعجمتهم وقال: ما أكثر بربرتكم. فكيف يكون هو الذي نقلهم وليس بينه وبين أبرهة ذي المنار من يتشعبون فيه إلى مثل ذلك أن قالوا أنه الذي نقلهم. وأما القول أيضاً بأنهم من حمير من ولد النعمان أو من مضر من ولد قيس بن عيلان فمنكر من القول وقد أبطله إمام النسابين والعلماء أبو محمد بن حزم. وقال في كتالب الجمهرة: ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن ومن حمير وبعضهم ينسب إلى بربر بن قيس وهذا كله باطل لا شك فيه. وما علم النسابون لقيس بن عيلان ابناً اسمه بر أصلاً وما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن. وأما ما ذهب إليه ابن قتيبة أنهم من ولد جالوت وأن جالوت من ولد قيس بن عيلان فأبعد عن الصواب. فإن قيس عيلان من ولد معد. وقد قدمنا أن معداً كان معاصراً لبختنضر وأن أرمياء النبي خلص به إلى الشام حذراً عليه من بختنصر حين سلط على العرب. وبختنصر هو الذي خرب بين المقدس بعد بناء داود وسليمان إياه بأربعمائة وخمسين سنة ونحوها فيكون معد بعد داود بمثل هذا الأمد فكيف يكون ابنه قيس أباً لجالوت المعاصر لداود. هذا في غاية البعد وأظنها غفلة من ابن قتيبة ووهماً. والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنهم أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح كما تقدم في أنساب الخليقة وأن اسم أبيهم مازيغ وإخوتهم أركيش وفلسطين إخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام وملكهم جالوت سمة معروفة له. وكانت بين فلسطين هؤلاء وبين بني إسرائيل بالشام حروب مذكورة. وكان بنو كنعان وواكريكيش شيعاً لفلسطين فلا يقعن في وهمك غير هذا فهو الصحيح الذي لا يعدل عنه. ولا خلاف بين نسابة العرب أن شعوب البربر الذي قدمنا ذكرهم كلهم من البربر إلا صنهاجة وكتامة. فإن بين نسابة العرب خلافاً والمشهور أنهم من اليمنية وأن أفريقش لما غزا إفريقية أنزلهم بها. أما نسابة البربر فيزعمون في بعض شعوبهم أنهم من العرب مثل لواتة يزعمون أنهم من حمير ومثل هوارة يزعمون أنهم من كندة من السكاسك ومثل زناتة تزعم نسابتهم أنهم من العمالقة فروا أمام بني إسرائيل. وربما يزعمون فيهم أنهم من بقايا التبابعة ومثل غمارة أيضاً وزواوة ومكلاتة يزعم في هؤلاء كلهم نسابتهم أنهم من حمير حسبما نذكره عند تفصيل شعوبهم في كل فرقة منهم وهذه كلهما مزاعم. والحق الذي شهد به المواطن والعجمة أنهم بمعزل عن العرب إلا ما تزعمه نسابة العرب في صنهاجة وكتامة. وعندي أنهم من إخوانهم والله أعلم. وقد انتهى بنا الكلام إلى أنسابهم وأوليتهم فلنرجع إلى تفصيل شعوبهم وذكرهم أمة بعد أمة. ونقتصر على ذكر من كانت له منهم دولة ملك أو سالف شهرة أو تشعب نسل في العالم وعدد لهذا العهد وما قبله من صنفي البرانس. والبتر منهم وترتيبهم شعباً شعباً حسبما تأدى إلينا من ذلك واشتمل عليه محفوظنا والله المستعان.
|